في 10 رجب سنة 195 هجرية وُلد الإمام محمد الجواد .
أبوه الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) .
وأمّه : "الخيزران" من أسرة "مارية القبطية" زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله) .
دعاه الناس بألقاب عديدة ؛ اشهرها : " النقي " و " الجواد " .
كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) في السادسة من عمره ، عندما استدعى المأمونُ والده الرضا ( عليه السلام ) إلى مرو .
كان الصبي يراقب والده ، وهو يطوف حول الكعبة مودّعاً ، وهو يصلّي في مقام إبراهيم .
وأدرك أن والده يودَّع ربوعَ الوحي . وداعاً لا عودة بعده . فشعر بالحزن .
و أوصى الإمامُ الرضا أصحابه بالرجوع إلى ابنه الجواد عند وفاته ؛ وقد سأل صفوان بن يحيى الرضا ( عليه السلام ) عن الإمام ، فأشار إلى ابنه .
فقال صفوان : جُعلتُ فداك هذا عمره ثلاث سنين ؟ !
فقال الإمام الرضا : وما يضرّه من ذلك ، وقد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين .
نهض الإمام الجواد بالإمامة وله من العمر 9 سنوات ، وكان عمّه " علي بن جعفر" يكنّ للإمام بالغَ الاحترام بالرغم من التقدّم في السنّ .
ذات يوم ، دخل الإمام الجوادُ المسجدَ فنهض عمُّه من مكانه وقبّل يده ، ودعاه الإمام إلى الجلوس ، فرفض قائلاً : كيف تريدني أن أجلس وأنت قائم .
وتعرض علي بن جعفر للوم اللائمين ، فكان يجيبهم : لقد قلّده الله الإمامة فوجبت طاعته علينا .
أخلاق الإمام :
بالرغم من صغر سنّ الإمام ، فقد كانت له شخصية قوية تدفع المقابل إلى الإحترام والإجلال .
ذات يوم مرّ موكب المأمون ، وكان قد توجّه إلى الصيد ، فمرّ بصبيان يلعبون ومعهم محمدٌ الجواد .
فرّ الصبيان ، فيما ظلّ محمد الجواد واقفاً في مكانه .
توقف المأمون ، ونظر إليه بإعجاب وسأله :
لماذا لم تفرّ مع الصبيان ؟ .
فقال الجواد ( عليه السلام ) : يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك ، ولم يكن لي جريمة فأخشى العقاب ، وظنّي بك حسن ، وأنك لا تعاقب من لا ذنب له ، فوقفت .
فازداد المأمون إعجاباً ، وقال له : ما اسمك ؟
فقال : محمد ابن علي الرضا .
فترحّم المأمون على أبيه ، واستأنف رحلته إلى الصيد .
رسالة الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى الجواد ( عليه السلام ) :
كان الإمام الرضا يعامل ابنه باحترام وإجلال ، ويهتمّ بتربيته . فعن " البزنطي " – وكان من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) – أنّ الإمام بعث برسالة إلى ابنه جاء فيها :
يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير ، وإنما ذلك من بخل لهم لئلاّ ينال منك أحد خيراً ، فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلاّ من الباب الكبير ، وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ، ثم لا يسألك أحد إلاّ أعطيته . ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين ديناراً ، والكثير إليك . ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين ديناراً ، والكثير إليك ، إني أريد أن يرفعك الله فانفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً .
مسائل :
أثار صغر سنّ الإمام الجواد الكثيرَ من الشكوك ، فراح البعض يمتحنه بأمهات المسائل ، وكان الإمام يجيب عنها بكل ثقة ، فيما تظهر علامات الإعجاب والانبهار على وجوه السائلين .
كان يحيى بن أكثم شخصية علمية كبيرة ، وكان قاضياً للقضاة ، وهو منصب رفيع ، فأراد العباسيون امتحان الإمام وكان صبياً ، فرتّبوا لقاءً بينهما .
سأل يحيى بن أكثم الإمامَ قائلاً : أصلحك الله يا أبا جعفر ، ما تقول في محُرِم قتَل صيداً ؟
فانبرى الإمامُ قائلاً : قتَله في حلّ أو حرم ؟ عالما أم جاهلاً ؟ قتله عمداً أو خطأً ؟ حرّاً كان أم عبداً ؟ صغيراً أو كبيراً ؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً ؟ من ذوات الطير كان الصيدُ أم من غيرها ؟ من صغار الصيد أم من كباره ؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً ؟ في الليل كان قتله للصيد في أوكارها أم نهاراً وعياناً ؟ محرماً كان للعمرة أو للحج ؟
ارتبك ابن أكثم وهو يصغي إلى كل هذه التفاصيل ولم يحر جواباً . واندهش الحاضرون وهم يستمعون إلى الأجوبة التفصيلية للإمام ، فيما اسودّت وجوه العباسيين الذين كانوا يطمحون إلى إحراج الإمام والانتقاص من منزلته .
من كلماته المضيئة :
عزِّ المؤمن غناه عن الناس .
المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال : توفيق من الله و واعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه .
يوم العدل على الظالم اشدّ من يوم الجور على المظلوم .
حسب المرء من كمال المروءة تركه ما لا يجمل به .
لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينة على شهوته .
موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته العمر