في الأسابيع الأخيرة قرأت رواية محمود شقير "كوكب بعيد.. لأختي الملكة" (2007)، ورأيت أنه بناها على قصة تراثية، هي قصة الخليفة الإسلامي عمر بن الخطاب، وقصة "الأمير الصغير" للكاتب الفرنسي (انطون دي سانت اكزوبري)، وهي قصة مشهورة يقال أنها كانت ثالث كتاب في أوروبا انتشاراً، بعد العهد الجديد وكتاب رأس المال، فقد بيع منها مائتا مليون نسخة.
وكنت قرأت قصة "الأمير الصغير" في العام 1990، حين كنت في ألمانيا، فقد أهدتني إياها شابة ألمانية، بمناسبة عيد الميلاد. ولما صدرت الطبعة العربية في سلسلة كتاب في جريدة (ع71، تموز 2004) لم أقرأها بالعربية، ولكني احتفظت بكتاب الجريدة، وكنت احتفظت أيضا بمقال كتبه الشاعر أحمد دحبور نشره في الحياة الجديدة بتاريخ 5/7/2000 راجع فيه القصة.
وما أن فرغت من قراءة رواية شقير حتى عدت إلى الترجمة العربية لقصة (اكزوبري)، وهي من ترجمة يوسف غصوب، لأقرأها، ولاحظت أن المقدم لها أشار إلى ترجمات عربية عديدة للقصة أفضلها ترجمة غصوب، ولهذا آثرها المسؤولون عن سلسلة كتاب في جريدة، واخذوا إذنا من ابن المترجم. ولم أكتف بقراءة الترجمة العربية، فقد عدت إلى الترجمة الألمانية، لأتصفحها، ولأرى الرسوم فيها، ذلك أنها ليست بالأبيض والأسود، كما هي في ترجمة غصوب المنشورة في سلسلة كتاب في جريدة، فماذا لاحظت؟
كان (اكزوبري) زاوج بين الكتابة والرسم"، إذ كان الأخير مكونا من مكونات القصة، لا تكتمل إلا به. ولم يكن يعتمد على رسام ليرسم له لوحات تناسب أحداث القصة، كما يحدث غالبا. كان الرسم هواية للسارد الذي عرض ما كان يرسم على الاخرين، ليرى إن كانوا قادرين على فهم ما يرسمه. ولهذا كانت الرسومات في القصة تأتي في المكان المناسب. فحين يتحدث السارد، البطل عن ميله للرسم، وعما رسم، وعن رؤية الاخرين لما رسم، كانت الرسمة/ اللوحة تأتي بعد الكلام عنها. إنها لم تكن مجرد لوحة تزيينية، وإنما كانت، كما ذكرت، جزءاً من النص، كانت متمما للكتابة وموضحة لها.
ما لاحظته في الترجمة الألمانية لم ألاحظه في الترجمة العربية التي صدرت في سلسلة "كتاب في جريدة"، وليس لدي ترجمة يوسف غصوب التي أشرف على طباعتها، وليست لدي أيضا الترجمات العربية الأخرى للأمير الصغير لملاحظة الدقة في تلازم الكتابة والصورة. وتبدو مراجعة شاملة للترجمات وملاحظة تلازم الصور والكتابة، ومطابقة هذا مع الأصل الفرنسي أمراً مجدياً، لعل زميلي مدرس الفرنسية في جامعة النجاح، بلال الشافعي ينجز ذلك، فقد عرض عليّ، مؤخرا، إمكانية إنجاز دراسة معا، عن فكرة خضت معه فيها، وهي تأثير الأدب الفرنسي في الأدب الفلسطيني، وهي فكرة تشغلني منذ فترة.
وماذا لاحظت أيضا؟
ثمة تصدير لقصة "الأمير الصغير" بدا في الترجمة الألمانية، ولم يبدُ في النص المترجم في سلسلة "كتاب في جريدة"، ونص هذا التصدير هو: أرجو المغفرة من الأطفال لأنني أهدي هذا الكتاب لناضج. ولي في ذلك عذر حقيقي: هذا الناضج هو أفضل صديق أمتلكه في هذا العالم. ولي أيضا عذر ثان: هذا الناضج يستطيع أن يفهم كل شيء، حتى كتب الأطفال. ولي عذر ثالث أيضا: هذا الناضج يقيم في فرنسا، حيث يجوع ويشعر بالبرد. إنه يحتاج إلى مواساة ضرورية جدا. إذا كانت هذه الأعذار لا تكفي، فيجب أن اهدي هذا الكتاب للأطفال، فهذا الناضج كان مرة طفلا.الناس الكبار كلهم كانوا مرة أطفال (ولكن قلة منهم يتذكرون هذا). سأجمل إهدائي:
إلى ليون فيرث
عندما كان أيضا طفلا".
وماذا لاحظت أيضا؟
وأنا أدرس رواية إميل حبيبي "المتشائل"، أتى على تأثره في أثناء كتابتها برواية الفرنسي (فولتير) "كنديد". وكان المرحوم ابن نابلس عادل زعيتر قد نقلها إلى العربية. وقد كتب إميل فصلاً عنوانه: "الشبه الفريد بين سعيد وكنديد"، وسعيد هو بطل رواية إميل، ما يعني إقرار إميل بقراءته "كنديد"، وتأثره بها.
مؤخرا أنجزت كتاباً عنوانه "قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية"، نشرته على حلقات في موقع "ديوان العرب" و"مؤسسة فلسطين للثقافة"، ونشرت أجزاء منه في جريدة "الأيام" "(رام الله)، وكنت درست فيه قصة إميل حبيبي "حين سعد مسعود بابن عمه" من مجموعة "سداسية الأيام الستة" (1968)، وقرأت فيها العبارة التالية على لسان سارد القصة: "وهاكم، يا شطار، قصة ذلك الصباح التموزي القائظ، الذي تجعس فيه مسعود" الفجلة" كما لم يتجعس في حياته من قبل. لقد بلغتني من فم العصفورة التي كثيرا ما تدهش الأطفال بما تنقله من أسرارهم إلى كبارهم، فإنهم لا يدركون أن هؤلاء الكبار إنما هم صغار كبروا". والعبارة الأخيرة وردت في نص (اكزوبري)، فهل كان إميل قرأها وتأثر بها؟ سؤال. مجرد سؤال.